الحرفوش الصغير مع الحاجة أم مفيد بقلم: الحرفوش الصغير محمد بن يوسف كرزون

الحرفوش الصغير مع الحاجة أم مفيد
أمشي في الطريق، أرى امرأة كبيرة في العمر، تحمل أكياساً ثقيلة، أقتربُ منها، يجب عليّ أن أساعدها...
- خالة.. خالة.. هاتي ما في يدكِ لأساعدكِ.
- مَنْ أنتَ؟
- أنا الحرفوش الصغير..
- أهلاً يا ابني، جزاكَ الله خيراً.
- واجبي يا حاجّة
وانطلقنا في المشي البطيء، والحاجّة ما تفتأ أن تشكرني. وأنا أقولُ لها: الأمر عادي، ومن واجبي أن أساعدكِ.
وفي منتصف الطريق سألتُها:
- بماذا تحبّينَ أن أناديكِ يا أنتِ خالة؟
- أم مفيد.
- أحبّكِ يا خالة أمّ مفيد.
- أحبَّكَ الله
وصارت تسألني وتسألني.. وأنا أجيبها.
فهمت الحاجة أمّ مفيد أنّني إنسان (عبيط)، وأنّني لا أعمل، وأنّ حظّي خائب من الجميع.
كنتُ ألاحظ عليها أنّ ثقتها بي تتبخّر تدريجياً، بل إنّها صارت تتزاورني وتعبس في وجهي، ولكنّها لم تقل لي كلمة واحدة أن أترك الأحمال وأذهب.
وصلنا إلى عمارتها، وضعتُ الأكياسَ أمام باب شقّتها في الدور السادس من دونِ سلّم، واستأذنتُ منها لكي أعودَ أدراجي..
صاحتْ بي:
- انتظر.. انتظر..
وانتظرتُ، فدخلتْ وبدأتْ تُخبر بالهاتف بصوت خفيض، لم أفهمْ منه حرفاً.
ثمّ استدعتْني أن أدخل إلى بيتها، فاعتذرتُ، فما كانَ منها إلاّ أن جرّتني إلى الداخل.
وطلبتْ منّي أن أعمل لنا كأسين من الشاي، ودلّتْني على المطبخ.
ولم أكدْ أنتهي من شرب رشفةٍ من الشاي حتّى قُرِعَ الباب بعنف، ففتحتْ، وإذا بالشرطة يدخلون، وهي تقول لهم:
- هذا هو..
فينقضّ عليّ عنصران، ويضعان القيودَ في يديّ، وأنا أسألهم:
- اتركوني.. ماذا فعلتُ؟
- في القسم تعترف.
- وبماذا سأعترف؟
- عندما نفتّشكَ ونستخرج المحفظة.. محفظة الحاجّة أمّ مفيد.
- عن أيّ محفظة تتحدّث؟
وهنا تتدخّل أمّ مفيد وتوجّه كلامها لي بكلّ وقاحة:
- أنتَ سرقتَ محفظتي.
- أنا؟ غير معقول!!!
ثمّ استدركتُ:
- فتّشوني.. هل هي معي؟ يجب أن تكونَ معي... أليسَ كذلك؟
يتدخّل آمر الشرطة ويقول:
- ألاعيبكم جميعها نعرفها، تعرفون أن تخبّئون ما تسرقون.
- يا سيّدي أقسم لك.....
- لا تقسم لي.. ولكن اعترفْ في القسم.. لعلّهم يخفّفون العقوبةَ عنك.
- لا حولَ ولا قوّةَ إلاّ بالله.. قسم يعني قسم، وهل يهمّني هذا؟
في القسم، ابتدأ التحقيق معي بثلاث صفعات على وجهي وظهري، تحمّلتُها بصعوبة، ثمّ ساقوني إلى مكتب رئيس التحقيقات.
ثمّ بدأت الأسئلة:
- ما ذا تقول في التهمة الموجّهةِ إليك؟
- كاذبة يا سيّدي.. وهي افتراء والله...
- كلّكم تقولونَ هذا.
- أنا أقولُ الصدق يا سيّدي. انظر في أرشيفكم وأرشيف كلّ الأقسام، هل عندي سابقة واحدة؟
- سألتُ وفتّشتُ، كنتَ في كلّ مرّة تستطيع أن تبرّئ نفسَكَ.. ولكن هذه المرّة لا.
- هذا كلّ ما عندي يا سيّدي.
وبينما كنّا منهمكين في التحقيق، دخل عنصرٌ وقال له بسرعة وعلى عجل:
- وصلنا من محلّ التسوّق الكبير محفظة لسيّدة زطلبوا منّا أن نضعها في الأمانات.
- حسناً، هاتِها.
وفتحها، وأخرجَ البطاقة الشخصيّة منها، ثمّ راح يفتّشُ عن رقم هاتف.
وجدهُ أخيراً، فأخبر صاحبةَ المحفظة، وطلبَ منها علامات عن محفظتِها، فأكّدتْ له أنّها هي، محفظتها التي افتقدتها. فطلبَ منها أن تأتي إلى القسم لتأخذها.
دخلتْ علينا صاحبة المحفظة، وكنتُ أدير وجهي إلى الجدار، بناءً على طلبهم، وعندما سمعتُ صوتَها التفتُّ وخالفْتُ التعليمات:
- الحاجّة أمّ مفيد؟
ردّتْ بشوق ولهفة:
- الحرفوش الصغير؟
- نعمْ.. هو.. وهو متّهم في سرقةِ محفظتك.
- آسفة يا ولدي.. ظننْتُ أنّكَ أنتَ الذي خطفْتَها منّي.. 
- أنا أساعدكِ.. أنا لا أخطف شيئاً.. 
- سامحني أي ولدي.
- ربّنا يسامحك ويهديكِ... ولكن أرجوكِ قولي لهم ماذا فعلتُ معكِ...
- لا ضرورةَ لذلك.
وهنا تدخّلَ المحقّق وطلب منها الشرح بالتفصيل، وإلاّ فإنّه سيعتبر ادّعاءها ادّعاءً باطلاً، وسيمنحني فرصةَ رفع دعوى قضائيّة ضدّها.
قالتْ له كلّ شيء بالتفصيل، ثمّ ذكرتْ أنّ السبب منّي، فأنا الذي صرّحتُ لها بوضعي وحالتي، فشكّتْ بي واتّهمتْني...
سألني المحقّق:
- هل ترغب في أن تدّعي عليها؟
أجبتُهُ والغضبُ يأكلني وأنا أكظمه:
- لا... لا أرغب. أرغبُ في عشاءٍ من عندكم فقط...
بقلم: الحرفوش الصغير
محمد بن يوسف كرزون

عنوان الموضوع: "الحرفوش الصغير مع الحاجة أم مفيد بقلم: الحرفوش الصغير محمد بن يوسف كرزون"

إرسال تعليق

الاعضاء